'ليلة أنزلت فيها السماء غيثها دون غيوم ودون سرور، تلبدت المشاعر واستحالت إلي ودْق ينحت وجوده داخل العمق الدامس. ودْقٌ من نور يشق طريقه بين أزقة الظلام المهيمن. هي نفحات بلا أمل وأماني بلا عمل.
'عامُ آخر ينصرف والسعادة تغمر الشوارع وذاك الفيضان مازال ينهمر بظلمته وبؤسه. عامٌ آخر ينصرف ويتحركُ ذاك الرقم اللعين فينجب رقماً أكبر ينجب عمراً يهرول لملاحقةِ سراب الفناء. ومازال ذاك الشخص فاقداً لهويتة وتائهاً عن ذاته المتخبطة والروح هائمة في سوادٍ مبهم وأين الطريق!! السعادة التي تغمرهم وهمية. بلى، وبإعترافهم أنهم غزاة بؤسهم بوهمهم، فهكذا يظنون. ولكن في الحقيقةِ أن بؤسهم هيمن وأجهض عقلانيتهم فظنوا أنهم عقلانيون. ولكن ذاك الصديق في صراعه يشعرُ أنه يُرغِمُ نفسه على الحياة، يتمنى لو أنه أجهض عقلانيته من أجل الفوز بوهم أخيلته، فكم كان يتمنى لو أخرس ذاك الصوت الرنان لينال رفاهيةَ سرابه السخي. كم كان يتمنى لو أنه من نفس اللون ومن نفس الرحم الذي يولدون، فكم كان يتمنى لو أنه وهمي مثلهم.
'آسفٌ. آسفٌ عما مني بَدَرَ وعذراً لمن فاتني ومضى. أدركتُ الآن أن صفحاتَ الماضي تُطوى لتندثر، فالماضي مني قد اكتفى. ومُعجم الذكريات أبجدية حزينة تشابكت لتكتب شطراً آخر من الوداع الأبدي. خانني عقلي وچَحدَ بالنفسِ قبل أن يقسوا عمن مضى. آسفٌ ويا ليت الأسف يكفي يا نقاء الورى.
'بين الحرف وذويه ألم، بين الكلمة وخليلتها وجع.فالحروف تُكتَبُ على مضدٍ بلا شغف، تُنْزَفُ على أوانيٍ من خزف، انطفأت روحها والانطفاء ترف.فبين الحرف وذويه ألم، بين الكلمة وخليلتها وجع.