أمشي في هذا الشارع المشهور بالاحداث الغريبة . لم أعد كما كنت ، صرت أمشي بسرعة دون أن تلفت انتباهي تفاصيله الصغيرة على عكس ماكان يحدث في السابق . أعاد لي المطر هذه الأيام شغف التأمل وعدت للمشي البطيء وعدت للكتابة بلا قلق ."أجلس في الرصيف مقابل لوحة بيضاء كبيرة تحتل نصف مساحة باب المحل المغلق . يقول صاحب المحل في هذه اللوحة ( ترقبوا افتتاح ***** للصرافة ) . مالذي يجب علينا أن ننتظره من محل صرافة جديد ؟ لن ننام ، سننتظر الافتتاح المنتظر .. بما أنه قد كتب " ترقبوا " فيبدو أنه والله أعلم يجهز لنا مفاجأة كبيرة .. لربما يبيع لنا الدولار الوواحد مقابل ريال واحد . سيعيد للريال اليمني هيبته ، ترقبوا .. علينا أن ننتظر ، لا تناموا ..كنت أتحدث مع نفسي وأحلل الكلام الموجود في اللوحة القماشية قبل أن تتوقف دراجة نارية "موتور " بجانب الرصيف .. سائق الموتور الشاب يستمع لأغنية عراقية حزينة بصوت مرتفع .. يشعل سيجارته ، يدخن وينفخ الدخان للأعلى ويُبقي وجهه للسماء لثوان قبل أن يعود لوضعه الطبيعي .. يفعل ذلك ليلفت انتباه الفتيات العابرات لأحزانه المتقدة وشخصيته المختلفة .. أنا أفهمه ، ولكن لم أتصرف مثله من قبل .. إنها خطة فاشلة ولا أظن أنه سينجح .تمر فتاة جميلة ولا تنتبه .. فتيات أخريات ، فتيات كثيرات " كُثر " يمضين بلا اكتراث .. الفنان العراقي يرفع طبقة صوته ويحلف أنه حزين .. السائق الواقف يرفع رأسه ويدخن بصبر الحزين المعصور في المآسي وكأنه يرد على الفنان : لست وحدك حزين .. لككن لا أحد ينتبه . يبكي الفنان كمحاولة أخيرة .. يبكي السائق وهو ينظر للسماء .. تبكي السيجارة في يده . أبكي معهم أنا وصاحب عربية البطاط القريب .. يبدأ المطر بالهطول . يهرب الفنان العراقي الحزين .. تهرب الفتيات وأهرب . تبقى اللوحة تترقب صاحبها الذي يصرّ على أن نترقبه .. يبقى صاحب عربية البطاط يترقب الزبائن .. يبقى سائق الموتور ، يدخن للأعلى ويترقب عودة الفنان ."