لم أفكر يومًا في كونِه كتابًا مفروضًا علينا، أو كلامًا كبيرًا يُنظِّر علينا من الأعلى، أو حملًا ثقيلا فوق قلوبنا، أو صوتًا معقدًا في آذاننا، وإنما تربطنا علاقة دافئة، علاقة الرعايةِ المطلَقة، التي يقول فيها لك الراعي: اذهب، وواثق أنك ستعود. .. كأنه سراجٌ يلزم للإنارةِ مجرد فتحِه، يحمل الرسالة إليك كأنها للتو وصلته، وكأنه المرسِل والرسول معًا، كأنه يرانا من وراء الآياتِ، ثم يقدمها لنا "بالمقاس" على أقدارنا، كأنه كائن حي، مهمته أن يلازمك، وأن يُلين قلبَك النظرُ إليه، ويشد يديك بين راحَتيه، ويصحبك في رحلةٍ طويلةٍ لكنها خفيفة، بين صفحاته. .. في نهايةِ يومٍ طويل، أمسكه بين كفَّي، أقلبه، أفتحه ولا أستطيع القراءة، يقول لي: لا بأس، سأقرؤك أنا الليلة بدلا من أن تقرأني، أغلقه، وفي اليوم التالي أقرأ ضِعف ما تعودت قراءته، يقول: أرأيت؟ .. "إنه الكتاب الذي نحبه". أجل، يمكننا أن نلخص القرآن في هاتين الكلمتين.ـــ يوسف الدموكي.