صديقيَ #الفلاح ابن القرية الصغيرة خارج سور مدينتنا المتعالي.. أعلم أن في قلبك غصّة قد تُخفيها وذلك لرقيّك وفهمٍ منك, وأعلم أنني كثير الزلل, علمتني حياة المدينة تكرار بعض من وقاحة ألفاظها تجاهك, بطريقة مبتذلة معممة غير عادلة. فأقول أحيانا في وصف شيء مشين "فلاح" أو أضحك مستهزئا من سلوك غير أنيق فأربطه بصفاتك, من غير أدنى انتباه لشعورك أو احترام لقيمة إنسان. أعترف لك بأن في دواخل كثير من أهل المدينة - التي تدّعي الرقي- نظرة من علٍ كعين النسر تجاهك, فأنت عند كثيرين ذلك القرويّ المجرد, والفلاح الذي يعتريك نقص مكانة لا أستطيع تعريفها حسب فهم المدنيّ. تعلم ماذا؟ أتَلفّت حولي, أصحابي , مَنْ علّمني, أرشدني, أتأمل روحا ألهمتني, أستذكر نماذجَ أحببتها, وأناس من قرى تشبه قريتك أفخر بمعرفتهم, وأسعى لقربهم, كثيرة هي الأسماء التي قابلتها في حياتي العشرينية من خارج المدينة أتت من قرى تشبهك ولا أزال أحاول أن أقتفي أثر عظمتهم. أسأل نفسي أحيانا: من أكثر إنسان يصبر على ويتحمّل أخطائي ويعفوا ويسامح؟ أجدك أنت, أسأل أيضا: من الذي قدّر لك أن تكون ابن تلك القرية وجعل الآخر "المدنيّ" الذي يتباهى بمكان عيْشه يولد في وسط مدينة تعطيه صفة الرقيّ تلقائيا بلا أدنى قياس عادل, كأنه صنع أبيه وكأنك اخترت منازل الدون, أو كأنه حجز لنفسه مساحة في جنة وأنت أحمق إذ رضيت لنفسك بسكن الجحيم!؟ تعرف من هو أغبى مدعي التمدن؟ ذلك الذي يجد في شخصٍ من أهل القرية ضمن موقف -الله أعلم بتفاصيله- صفة سيئة ليأخذها حجة له يسير بها بقية العيش ويعلمّها أبناءه, ويكررها: ألم أقل لكم؟ كلهم أبعد ما يكون عن النظافة, الفهم, الرقيّ, التحضر, كلهم متسلطون أو لا يحبّون لنا الخير نحن أبناء المدينة! , وإذا ما بدا أمامه سلوك سيء لابن مدينته تغافل وتجاهل كأن في أذنيْه ماءا, حتى يكمل فصول ظلمه حين يرى سلوكا جيدا من رجل من أهل القرى عظيم, فيستثنيه كأنه شاذ من قوم أقل رفعة منك, أو ربما تأثر بمدنيّ قليلا. كيف يفهم ذلك السطحي أن "الفلاح" و "المدني" لا تعني شيئا في ميزان الحياة, والإنجاز, والفهم, والقيم, وعند الله؟ إلا إن كان ربّه غروره, أو جهله المتوارث. شيء أخير, تعرف سلّم العنصرية في مدينتنا كيف يشتغل؟ أنت فلاح ابن قرية, في عين ابن "الحارة التحتة الجنوبية" وهو أيضا دون منزلة "ابن الحارة الفوقة الشمالية" وتبقى مدينتكم جنوبية في أعين الشماليون, وتبقى عربيّ في عين التركي, وتبقى عالم ثالث في عين العالم الأول , عن مقاييس الجهال أحكي. عافانا الله. أيها المدنييون.. نصيحة لأبنائكم, علّموهم أن مقياس تقديرك للآخر هو بإنجازه, وكم عطائه, وعلمه, ونجاحه وحبه ورجولته, علموهم أن لا فرق بيننا في أصل "ثقافتنا المثقوبة" إلا بالتقوى.