هل تعلم ياصديقي: إن مايؤلم حقًا ليس أنهم كانوا يكذبون بحقارة بشعة، بل أننا كنا نصدقهم بغباوة شنيعة! ليست القضية في ضياع ثقتنا بهم وإلى الأبد، إنما القضية في فقدان الثقة بقلوبنا التي خدعتنا ورفضت كل أحكام العقل. فأصبحنا لا نؤمن بقلوبنا ونفتقد القدرة علي تصديقها مرةً أخرى.. إنهم ملعونيين ياصديقي.. لقد تسببوا في القطيعة والحرب بيننا وبين أنفسنا!
يقول فضيلة الشيخ " علي الطنطاوي" رحمه الله : رأيتُ إبنتي البارحة تأخذ قليلا من الفاصوليا والأرز.. ثم وضعتْها في صينية نحاس و أضافت إليها الباذنجان و الخيار و حبات من المشمش .. و همَّتْ خارجةً .. فسألتُها : لمنْ هذا ؟ فقالت :إنه للحارس .. فقد أمرتْني جدّتي بذلك ... فقلتُ : أحضري بعض الصحون.. و ضعي كل حاجة في صحن ..و رتّبي الصينية.. و أضيفي كأسَ ماء ومعه الملعقة و السكين ... ففعلتْ ذلك ثم ذهبتْ.. وعند عوْدتها سألتْني لمَ فعلتُ ذلك ؟ فقلت : إنَّ الطعامَ صدقةٌ "بالمال" ..أما الترتيب فهو صدقةٌ "بالعاطفة" .. والأولُ يملأ البطنَ.. و الثاني يملأ القلبَ.. فالأول يُشعِرُ الحارسَ أنه متسولٌ أرسلْنا له بقايا الأكل.. أما الثاني فيُشعره أنه صديقٌ قريب أو ضيفٌ كريم .. وهناك فرق كبير بين عطاء المال و عطاء الروح .. وهذا أعظمُ عند الله و عند الفقير .. فليكنْ إحسانُكم ملفوفاً بكرَمٍ و محبة.. لا بذلٍّ و مهانة ..