لو حدث واحتجت عملية جراحية، فإن الأمور تسير كالآتي.. تدخل إلى المستشفى قبلها بيوم.. تتوقف عن الأكل والشرب في تمام الثانية عشرة ليلا.. وفِي الصباح تستيقظ لتجد مجموعة من الممرضين والممرضات محيطين بسريرك.. تنزع ملابسك كاملة وترتدي رداء خفيفا.. ثم تجرّ بهدوء على سرير متحرّك نحو جناح العمليات.. هناك، يستقبلك طاقم التخدير.. وبعد بعض الفحوصات.. تنقل إلى طاولة حديدية باردة بالكاد تكفي مساحة جسدك.. وبينما يبدأ طاقم التخدير بزرع بعض الإبر في يديك.. يقف طاقم الجراحة بعيدا، ممسكين مشارطهم الحادة ومنتظرين إغفاءك بصبر.. يبدأ سريان المخدر في دمك.. وخلال لحظات تفقد الوعي تماما وتبدأ الجراحة.. خلال هذه الرحلة كانت قوتك وقدرتك في التحكم بنفسك تسحبان منك خطوة بخطوة.. لينتهي بك الأمر عاريا عاجزا غائبا عن الوعي.. ممددا على طاولة حديدية ويحيط بك مجموعة من الرجال والنساء الذين لم ترهم من قبل ولا تعرفهم.. فما الذي يجعلنا لا نهلع ونرتبك ونبكي خوفا من هذه التجربة المرعبة التي نفقد فيها أي سيطرة على مصيرنا ونضعه بالكامل بين أيدي الغرباء؟ إنها الثقة.. الثقة التي نمنحها للفريق الطبي.. ولهذا السبب نفسه لا أخاف من الموت.. لأنني أثق بربّي أكثر من أي طبيب في هذا العالم.. وأعلم أنني وفِي اللحظة التي أفقد وعيي فيها للمرة الأخيرة.. فإنني سأكون في أيد أكثر أمانا من أيدي الأطباء.. ولن يحدث لي ما يسوؤني أبدا أو يرعبني أو يتخطى قدراتي كبشر .. ولا خوف عليهم.. ولا هم يحزنون..