يحتاج الإنسانُ إلى إنسانٍ بسيطٍ جدا مثله، طبيعي إلى أقرب درجة، عاديّ لا يملك قلبًا ثانيًا ولا يدًا ثالثة، خفيف الروحِ، خفيف الظل، ثقيل الحضور، ثقيل الوجود، عازفٍ على طبول الحرب أغاني الحب، يعرف متى يلين وكيف يلين، يخفض جناحه حين تنقطع الأيادي، ويطيل النظر حين يغض الآخرون أطرافهم، ويبوح حين يصمم الجميع على السكوت. .. يحتاج كلٌّ منا إلى شعور "الانبهار"، هل فعلتَ شيئًا؟ لا، لكنني منبهر بك، هل طِرتَ من فوق جبل؟ لا، لكنني أرى جناحيك، هل أنتَ مخلوقٌ من نور؟ لا، من طينٍ لازب، لكنني أراك ملاكًا، هل أنتَ أكثر من فردٍ واحدٍ؟ لا، لكنني أجد فيك تعداد السكان ومواليد العالم. .. هل يحتاج كل منا أن يكون "محمود درويش" للذي يحبه حتى يحبه؟ لا، إنما يحتاج إلى أن يكون "درويشًا" بِمن يحبه، فقط.
"في الخمّارة.. وبعد الكأس الثالثة أدركت أن الله موجود، طمعت في كرمه الربانّي اللامتناهي بأنه سيدخلني الجنة، كيف لا، وفي قلبي أكبر من ذرة ايمانٍ به! لم يبدأ مفعول الشراب بعد، واحتفالاً بإيماني شربت الرابعة! أحسست بالكحول تتدفق إلى رأسي، بدأت السعادة تنضح من رأسي.. أنا مؤمن! أنا سكران! أنا في الجنة منذ الآن.. أو قبل ذلك سأُحرق قليلاً، أو كثيراً كثيراً! ولكن الله سيرحمني بعدها، سيخرجني من النار وينزلني في ماء الجنة فيلتئم جسدي الأسود الذي تفحّم من العذاب، سيلبسني ثوب الجنّة الأبيض الحريريّ. لسعادتي بالثوب، شربت الخامسة. دعوت الله: "ربي إنني أعاهدك على الايمان، اغفر لي وتب عليّ يا أرحم الرٰحمين و أسعدني". قمت عن الكرسي وتوجهت نحو الباب، ترنحت، وضحكت عليّ الساقية الروسية الجميلة، خرجت من خمارة العصيان، توجهت إلى وجه الله الذي شمل كل شيء. في قمة نشوتي، استغفرت الله.. سمعني حارس الخمارة وأنا استغفر، انتفض من مكانه، جاء يساعدني لأركب سيارتي. سألته: هل اقترب موعد صلاة الفجر؟ قال لي: لا، باقٍ له ثلاث ساعات. همس في أذني: "أرجوك لا تعد!" وتركني، وحدي ومع الله.."