بما أنّك ثنائيّ اللّغة الأمّ: أريد أن أسأل هل كان الوالدان يتحدثّان العربية (العامية) في المنزل ثمّ اكتسبت الألمانية في المدرسة أم كيف كان الأمر لأني لا أستوعب كيفية اكتساب الطفل لغتين أم. جزاك الله خيرا
الأطفال آيةٌ من آياتِ الله
لا تملك أمام مطالعة ما تمكّنهم عقولُهم - القاصرة في أنظارنا - منه إلّا الذّهول والدّهشة
الطفل - ومنذ كونِه رضيعًا في أشهرِه الأولى - يمثّلُ كتلةً متحرّكةً من التّشرّب المعلوماتي والمهاري الشَّرِه إلى أقصى حدّ .. من الوسط المحيط
بحكمِ نشأتي في ألمانيا ، التقيْتُ أناسًا كثيرين قضوا شطرًا من أعمارهم فيها ، ربّما عقودًا كاملة .. مارسوا فيها الألمانيّة - غالبًا - ممارسةً مكثّفةً مستمرّة .. ورغمَ ذلك .. تميّزُ اللّكنةَ الأجنبيّة في منطوقِهم من جملةٍ واحدة
تقفُ تحادثُ الرّجلَ ربّما نصفَ ساعةٍ أو يزيد ، يجتهدُ ما وسعَه الاجتهاد أن يطمسَ لكنتَه .. بل ربّما ظلّ يجتهد مُذ قدم .. بلا طائل
ثمّ يأتي ابنُه من بعيد .. ربّما لم يجاوز السادسةَ من عمرِه .. لم يدخل مدرسةً ولم يطالع كتابًا لغويًّا من عشراتِ الكتب التي سهر عليها أبوه
تكفيك أن تسمعَ منه كلمةً واحدةً فقط .. فيقرُ في قلبِك فورًا أن هذا طفلٌ لا يمكنُ أن يكون نشأ إلّا في بلاد الألمان ، يتحدّث كمثلِ ما يتحدّثون تمامًا .. بل وبلهجةِ أهل البلدةِ التي نشأ فيها تحديدًا .. لا تميّزُ بينه وبينهم فارقًا البتّة
منذ نحو سنتين كنت أعمل في مركز أبحاثٍ على مشروعٍ تشرفُ عليه أستاذةٌ إيرانيّةٌ خمسينيّةٌ أتت لدراسة البكالوريوس واستقرّت من حينِها ، أي قضت في ألمانيا أكثرَ من ثلاثين عامًا ( أكثر من نصفِ عمرِها كلِّه ) ، ولم تشفع لها السّنون المتطاولة أن ينضبطَ لسانُها على نغمةِ أهل البلد
منذ أسبوعِ كنت أقضي يومًا للتّنزّه مع صديقٍ مصريٍّ طبيبٍ فاضل ، وزوجتِه المصريّةِ المهندسةِ الفاضلة ، وابنهما ذي الأعوام الخمس .. يلهو من حولِنا ويلعب
لو سمعتَ صوتَه بغيرِ رؤية الملامح الشّرق-أوسطيّة .. ما انتابكَ الشّكُّ لحظةً أنّه ألمانيٌّ أشقر
بل إن والدَه حدّثني أنّه يسألُهم عن معنى الكلمةِ العربيّة بالألمانيّة ، فيجيبونَه ، فيعود إليهم بعد أن سمعِها من الألمان يردّ إليهم كلمتَهم ويصحّح لهم النّطقَ فيها
بل أخبرني ، أنّه يضبطُ نطقَ الكلماتِ التي لم تُعرَض له من قبل ، هكذا من المرّةِ الأولى
أمّا مصادرُ التّعلّم فالطّفلُ لا يعدمها ، حديث الجيران ، كلام النّاس في المواصلات العامّة ، مواقف أبويْه العابرة مع أهل البلاد ، وكلّ هذا من قبل الرّوضةِ والمدرسةِ بالطّبع
في بيتِنا كان التّلفاز معلّمًا بارعًا ، تعلّمنا منه - وممّا سبق - الألمانيّة بسهولةٍ وبلا إشكال ، وكان لوالدي قانونٌ صارمٌ ألّا يتحدّثَ في البيتِ أحدٌ بغيرِ العربيّة
ربّما لولاه لأتت ألمانيّةُ التّلفاز على عربيّة الدّماء ، فما بقي منها في ألستِنا شيء
في مخاضِ دراستِنا لوظائف المخّ في الماجستير ، تعرّضنا للمنطقة المسئولة عن الكلام عبرَ إنشاء الجملِ والعبارات بتجميعِ الكلمات
وهي منطقةٌ محدّدةٌ تدعى " منطقة بروكا " ، نسبة إلى الطبيب بروكا الفرنسيّ ، الذي اكتشف بالمشاهدةِ رابطًا مباشرًا بين حالةٍ مرضيّةٍ يفقد فيها الأشخاصُ قدرتَهم على النّطق ، وبين ضررٍ أصاب هذه المنطقة تحديدًا
كتاب كاندل ( وهو المرجع الأشهر في علوم الأعصاب ) يعرضُ في فصلِه الأوّل بعضَ التفصيل عن هذه المنطقة ووظيفتها
في مخاضِ عرضِه هذا يذكرُ تجاربَ أُجريَت للوقوف على درجة التمييز في نشاط هذه المنطقة بين الفرد الذي نشأ بين لغتين في سنواته الأولى ( حتّى سنّ السّابعة ) ، وبين أولئك الذي تعرّضوا للغتهم الثانية بعد الحادية عشرة
وكما تُظهر الصّورة ، فإنّ نشاط هذه المنطقة من المخّ يكاد يتطابقُ في حالة ثنائيّ اللغة الأمّ " المبكّر " ، بينما تتباعد مسافة منطقة النّشاط في حالة المتأخر
لا تملك أمام مطالعة ما تمكّنهم عقولُهم - القاصرة في أنظارنا - منه إلّا الذّهول والدّهشة
الطفل - ومنذ كونِه رضيعًا في أشهرِه الأولى - يمثّلُ كتلةً متحرّكةً من التّشرّب المعلوماتي والمهاري الشَّرِه إلى أقصى حدّ .. من الوسط المحيط
بحكمِ نشأتي في ألمانيا ، التقيْتُ أناسًا كثيرين قضوا شطرًا من أعمارهم فيها ، ربّما عقودًا كاملة .. مارسوا فيها الألمانيّة - غالبًا - ممارسةً مكثّفةً مستمرّة .. ورغمَ ذلك .. تميّزُ اللّكنةَ الأجنبيّة في منطوقِهم من جملةٍ واحدة
تقفُ تحادثُ الرّجلَ ربّما نصفَ ساعةٍ أو يزيد ، يجتهدُ ما وسعَه الاجتهاد أن يطمسَ لكنتَه .. بل ربّما ظلّ يجتهد مُذ قدم .. بلا طائل
ثمّ يأتي ابنُه من بعيد .. ربّما لم يجاوز السادسةَ من عمرِه .. لم يدخل مدرسةً ولم يطالع كتابًا لغويًّا من عشراتِ الكتب التي سهر عليها أبوه
تكفيك أن تسمعَ منه كلمةً واحدةً فقط .. فيقرُ في قلبِك فورًا أن هذا طفلٌ لا يمكنُ أن يكون نشأ إلّا في بلاد الألمان ، يتحدّث كمثلِ ما يتحدّثون تمامًا .. بل وبلهجةِ أهل البلدةِ التي نشأ فيها تحديدًا .. لا تميّزُ بينه وبينهم فارقًا البتّة
منذ نحو سنتين كنت أعمل في مركز أبحاثٍ على مشروعٍ تشرفُ عليه أستاذةٌ إيرانيّةٌ خمسينيّةٌ أتت لدراسة البكالوريوس واستقرّت من حينِها ، أي قضت في ألمانيا أكثرَ من ثلاثين عامًا ( أكثر من نصفِ عمرِها كلِّه ) ، ولم تشفع لها السّنون المتطاولة أن ينضبطَ لسانُها على نغمةِ أهل البلد
منذ أسبوعِ كنت أقضي يومًا للتّنزّه مع صديقٍ مصريٍّ طبيبٍ فاضل ، وزوجتِه المصريّةِ المهندسةِ الفاضلة ، وابنهما ذي الأعوام الخمس .. يلهو من حولِنا ويلعب
لو سمعتَ صوتَه بغيرِ رؤية الملامح الشّرق-أوسطيّة .. ما انتابكَ الشّكُّ لحظةً أنّه ألمانيٌّ أشقر
بل إن والدَه حدّثني أنّه يسألُهم عن معنى الكلمةِ العربيّة بالألمانيّة ، فيجيبونَه ، فيعود إليهم بعد أن سمعِها من الألمان يردّ إليهم كلمتَهم ويصحّح لهم النّطقَ فيها
بل أخبرني ، أنّه يضبطُ نطقَ الكلماتِ التي لم تُعرَض له من قبل ، هكذا من المرّةِ الأولى
أمّا مصادرُ التّعلّم فالطّفلُ لا يعدمها ، حديث الجيران ، كلام النّاس في المواصلات العامّة ، مواقف أبويْه العابرة مع أهل البلاد ، وكلّ هذا من قبل الرّوضةِ والمدرسةِ بالطّبع
في بيتِنا كان التّلفاز معلّمًا بارعًا ، تعلّمنا منه - وممّا سبق - الألمانيّة بسهولةٍ وبلا إشكال ، وكان لوالدي قانونٌ صارمٌ ألّا يتحدّثَ في البيتِ أحدٌ بغيرِ العربيّة
ربّما لولاه لأتت ألمانيّةُ التّلفاز على عربيّة الدّماء ، فما بقي منها في ألستِنا شيء
في مخاضِ دراستِنا لوظائف المخّ في الماجستير ، تعرّضنا للمنطقة المسئولة عن الكلام عبرَ إنشاء الجملِ والعبارات بتجميعِ الكلمات
وهي منطقةٌ محدّدةٌ تدعى " منطقة بروكا " ، نسبة إلى الطبيب بروكا الفرنسيّ ، الذي اكتشف بالمشاهدةِ رابطًا مباشرًا بين حالةٍ مرضيّةٍ يفقد فيها الأشخاصُ قدرتَهم على النّطق ، وبين ضررٍ أصاب هذه المنطقة تحديدًا
كتاب كاندل ( وهو المرجع الأشهر في علوم الأعصاب ) يعرضُ في فصلِه الأوّل بعضَ التفصيل عن هذه المنطقة ووظيفتها
في مخاضِ عرضِه هذا يذكرُ تجاربَ أُجريَت للوقوف على درجة التمييز في نشاط هذه المنطقة بين الفرد الذي نشأ بين لغتين في سنواته الأولى ( حتّى سنّ السّابعة ) ، وبين أولئك الذي تعرّضوا للغتهم الثانية بعد الحادية عشرة
وكما تُظهر الصّورة ، فإنّ نشاط هذه المنطقة من المخّ يكاد يتطابقُ في حالة ثنائيّ اللغة الأمّ " المبكّر " ، بينما تتباعد مسافة منطقة النّشاط في حالة المتأخر