الصمت لي مبدأ

.
لا أدري حقيقةً ولكن ربما تكون هذه هي المرة الأخيرة
التي سأتحدَّث بإسهابٍ عن "قُصَّتي" المتوارية عن الكثير
والتي لربما يعلم بها قليلون جداً، ولكن ما دعاني أن
أكتبها في هذا المتصفِّح -الذي أعتبره متنفَّسا شخصياً- هو
ما حدث قبل عِدَّة ليال؛ إنه المسمار الأخير في نعش الأمل.
.
نعم أيُّها القُرَّاء، مع انتهاء تلك الليلة؛ انتهى كل شيء
وضاع الأمل، وتجرَّعت الألم، وفقدت الحلم الذي رافقني
منذ الصغر، وزاد تبلُّدي تجاه الأشياء
وأعترف أنِّي بكيتُ خُفْيَة.
.
تلك الليلة؛ كانت أشبه بكابوس؛ الناس من حولي مجتمعين
وأنا بعيداً هناك سارحاً بالفكر، يأتون لي بطاريه ويتناقلون
خبر ليلة زفافه، ويتباشرون الرجال، ويَفْرَحْنَ النساء.
.
تلك الليلة؛ كانت كما لو كنت في حُلمٍ اَنْتظِرُ الاستيقاظ منه
كي أتيقَّن أنه مُجرَّد حلم، ليس واقعاً وعلم، ولكن وببالغ
الأسى والأسف والحزن؛ إنها الحقيقة التي لا مناص منها
ولا مفرَّ منها، ولا ثمَّة مأوى ينتشلني من هذه الحقيقة.
.
تلك الليلة؛ تساءلتُ فيها كثيراً عن المكان الذي أُخفي فيه
حزني، ولكن مرةً أخرى، وثانية وثالثة؛ لم أجد لي سوى
"الصمت" الذي أتعجَّبُ من قدرةِ تحمُّله، وكيف له أن
يحمل في طيَّاته همومي وأحزاني، آهاتي وعبراتي
جروحي وخيباتي، وأحياناً سعادتي وابتهاجي.
.
بعد تلك الليلة؛ أصبحتُ لا أبالي بأحدٍ من الناس
ولا أكترث بتعجُّبِهِمْ من تغيُّري المفاجئ؛ فمن يعرف
حقيقة معدني لن يكترث بهذا التغيُّر، ومن يجهل فعليه
تحمُّل ذلك.
.
نعم يا سادة، حِلُمٌ أخفيته عن العالمين مدة 14 عام
وسعيتُ نحو تحقيقه بكل ما أوتيت به من قوة
وبذلت جهداً "فظيعاً" تجاهه، وعزمت على كثيرٍ من الأمور
ولكن وبكل أسفٍ وحزن
تلاشى هذا الحلم (بمحض إرادة من بيده القرار)
وتكسَّرت –مع هذا القرار- مجاديفي، وتبخَّرت أحلامي
ومعهُ ذَهَبَتْ آمالي أدراج الرياح.
.
14 عام كنت فيها وفيًّا في زمنٍ قلَّ فيه الوفاء.
صادقاً في زمنٍ قلَّ ما تجد فيه صِدْقاً.
مُضحِّياً في وقتٍ أظنُّ فيه انعدام التضحية.
.
14 عام بين حلاوتها ومرارتها، انتظارها ورؤيتها
ضحكتها ودمعتها، 14 عام كانت بين وبين وبين.
.
وأقول لمن فاز بهذا "الحلم": كن لها رجُلاً تَستنِدُ عليه
ولْتُحسِنْ إليها، وكُن لها الأب والأم، والأخ والأخت
والصاحب الصادق؛ فإنَّ حزنها يصلُنِي، ومن ثم يُؤذيني.
.
لكم أن تتخيَّلوا معي؛ أنِّي بين الحينِ والآخر أتعجَّبُ
كثيراً كثيراً من ثباتي وقوتي؛ حين يأتي اسمه، وقصته
وأهله، وناسه، وعالمه؛ هل أنا ما زلتُ "أهواه"، أو أنِّي
ما زلت أتصنَّع القوة، وكيف لي أن أثبُتْ وأنا بهِ مهوساً
وأخوض -مع نفسي- حرباً ضروساً، كيف له أن يرحل
هل من بعد هذا الرحيل عودة، هل ثمَّة بصيص أمل
أو نقطة التقاء، أنا لا أدري ولا أعلم، كلُّ الذي أعلمه
أنِّي مُشتَّت، شارد الذهن والفكر، لا أعلم إلى أين
ولا الذي حصل كيف، ولا عن أيِّ شيء.
.
ولكنِّي أعلم يقيناً أنَّ هنالِكَ من فَرِحَ فَرَحاً عارماً
فهم يعتقدون أنَّ رحيل الذي "أعشقه"؛ هو أول خطوة
نجاح نحو الوصول إلى مبتغاهم، ولكن هيهاتَ هيهات.
.
قبل الختام أريد أن أُسدي إليكم نصيحةً من تجربة شخصية
لعلَّ أحداً منكم ينتفع بها: هي ألَّا "تعشقوا" من تربطه بكم
صلة؛ فستبقى أخباره تصلك رغماً عنك.
.
أرجوكم ألَّا تنسوني من دُعائِكم؛ فـ أنا أكتب والدموع تنهمر
والقهر يشتدّ، وهناك في أقصى الحلق غصَّة.
.
صدِّقوني أنَّ في جعبتي أكثر مما كُتِبَ أعلاه
ولكنِّي أكتفي بهذا القدر، وأقول قولي هذا
وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين
.

View more

.

---

أنا أُدرك هذه المرحلة جيَّداً، وأعلم تبعاتها
كيف لا، وأنا الذي قد مرَّيت بها، ولا زالت
أعانيها، ومُتأثراً بها، وأخشى أنها تستمر طويلاً
ولكن أقرأي ما سأكتبه جيداً؛ فإنه يا أختي
الفاضلة الكريمة أكتبه لكِ من عصارة تجربة
شخصية، وسأكون معكِ صريحاً للغاية

---

.

---

ربما يكون ما سألتيه من الصعب جداً أن تتجاوزيه
بسهولةٍ تامة، وسُرعةٍ مُذهلة، ولكن عليكِ الإجتهادَ
والجديَّة في هذا الأمر، لا سيَّما وإن كُنتِ في مُقتبل العمر

---

.

---

في هذه الحياة يا أختِ؛ نحن فيها مُعرَّضون لكثير
من خيبات الأمل، فيجب عليكِ أن لا تُحوِّلي أحلامك
إلى كوابيس، وتذهبِ أنتِ أدراج الرياح

---

.

---

ينبغي عليكِ أن تتحلَّي بكثير من الصمت، وأكثر
من ذلك بالثقة الشخصية، وأن لا تثقِ بأحدٍ بإفراط
وأن تكونَ لكِ نافذةً تَنْظُرِي منها إلى كل ما يُبعدكِ
عن مَنْ وَأَدَ حلمك، وأضاع هدفك، وجلب لكِ الحزن

---

.

---

كوني قوية، وذو إرادة، ولا تنعزلي عن الناس
ولا تُفرطي في معاشرتهم، وأجعلي بينكِ وبينهم
مسافة، وخط رجعة، وأتْرُكِ لنفسكِ شيئاً لنفسك

---

.

---

إِنْسِ، أو بالأصح "تناسي"، وابتعدِ عن النقد الذاتي
وقبل هذا كلَّه؛ توجَّهِ لله -عزَّ وجلَّ- وأطلبِ منه العون

---

.

---

لدّي الكثير مما يُمكن قوله، ولكن فلتعذريني على
عدم الإسهاب؛ فلا أُريد عليكِ الإطالة، ولا على
القارئ الكريم

---

.

View more