لم يعد هناك ما يكفي من الوهم، لأخاف خيبة الأمل، فالعقد الأخير من هذا القرن العاصف علّمنا أن نفتح باب المخيلة لكافة الإحتمالات، وعلّمنا أنه ليس للهاوية من قرار، وعلّمنا ألا نفرح أو نغضب بما يقدمه لنا الواقع التاريخي من مفاجآت. كأن علينا أن نركّب عقلاً آخر لكي نتحمل صدمة المفاجأت، ما زال في وسعي أن أشهد على أكثر من تاريخ عشته وأعيشه في لحظة واحدة. ماذا يبقى من كل ذلك؟ لا أعرف، وربما لا أريد أن أعرف، فليس في قلبي مكان لطعنة جديدة، لا أريد أن أرى أكثر مما رأيت من خيبات الأمل، ولعل ذلك هو ما تبقى لي من أمل: أن أحصّن نفسي ضد الخيبة...
في النهار ، أنا لا أُبالي بشيء ، أتذكرك صباحاً وأنا أشرب قهوتي ولكن سرعان ما أضع يديّ داخل رأسي لأمسك بيدك وأعود بكَ إلى ما وراء الإدراك .في المرآة ، وأنا أرتّب شعري ، أرى كتفي يميلُ من ثقِل رأسكَ عليه ، فأبتعِد عنها سريعاً في طريقي إلى عملي ، وجهك يحطّ فوق غيمة ، يبتسم لي ، فلا أملك إلّا أن أبتسم له وأودّعه .في الشارع ، بين الناس ، بين كل الوجوه ، الزحمة والضوضاء ، لا يرنّ في أُذنيّ غير ضحكتك وأنت تحدّثني عن صديقك المغفّل ، أُعاود وضع يديّ على أُذنيّ فتركض بعيداً أمامي .وأنا أتناول وجبة الغداء ، أتذكرك ، ورغماً عنّي تسقط قطرة -تحمل وجهك - من عيني ، فأهدأ هذا كلّه في النهار يا حبيبي ، أمتلك أن أسيطر على ذكراك في قلبي ، بين الزحمة والعمل ونكات صديقاتي . أما في الليل ، فأعود إلى اللحظة التي ودعتني فيها يداكَ ، يفترسني طيف وجهك افتراساً ، لا أستطيع الفرار إلى زاوية أُخرى كيف يمكن لضحكاتنا أن تستنفذ الدمع من عينيّ .. ؟