فالعاصي مشؤوم على نفسه وعلى غيره؛ فإنه لا يؤمن أن ينزل عليه عذاب فيعم الناس، خصوصًا من لم يُنكَر عليه عمله، فالبُعد عنه متعين، فإذا كثر الخبث هلك الناس عمومًا. ابن رجب | لطائف المعارف (١٥٤)
قال أحدهم: بلغني عنك شيئاً كرهته فقال له أخوه: لا يضرني عندك ! قال: ولم ؟ فقال له: لأنه إن كان ذنباً غفرته، وإن كان باطلاً لم تقبله فقال له: مثلي هفا؛ ومثلك عفا قال: مثلك اعتذر؛ ومثلي اغتفر. #الود
وقد أجمع العارفون على أن كل خير فأصله بتوفيق الله للعبد وكل شر فأصله خذلانه لعبده وأجمعوا أن التوفيق أن لا يكلك الله نفسكوان الخذلان أن يخلي بينك وبين نفسك فإذا كان كل خير فأصله التوفيق وهو بيد الله إلى نفسك وأن لا بيد العبد فمفتاحه الدعاء والافتقار وصدق اللجأ والرغبة والرهبة إليه فمتى أعطى العبد هذا المفتاح فقد أراد أن يفتح له ومتى أضله عن المفتاح بقي باب الخير مرتجا دونه.
قال الإمام ابن القَيِّم - رحِمهُ اللّٰه -:التعب بِالطاعة ممزوج بِالحسن، مُثمر للذة والراحة، فإذا ثقلت على النّفس، ففكر في انقطاع تعبها وبقاء حسنها ولذتها وسرورها، ووازن بين الأمرين، وآثر الراجح على المرجوح.
قال ابن القيم : الرب سبحانه ... يؤدب عبده المؤمن الذي يحبه وهو كريم عنده بأدنى زلة وهفوة، فلا يزال مستيقظًا حذرًا، وأما من سقط من عينه وهان عليه ، فإنه يخلي بينه وبين معاصيه ، وكلما أحدث ذنبًا أحدث له نعمةً، والمغرور يظن أن ذلك من كرامته عليه ، ولا يعلم أن ذلك عين الإهانة، وأنه يريد به العذاب الشديد والعقوبة التي لا عاقبة معها، كما في الحديث المشهور : ( إذا أراد الله بعبد خيرًا عجل له عقوبته في الدنيا، وإذا أراد بعبد شرًا أمسك عنه عقوبته في الدنيا، فيرد يوم القيامة بذنوبه) .
دخل أعرابي على عبد الملك بن مروان فمدحه فأعجبه، فقال: من أنت يا أعرابي؟ فقال: من عُذْرَة، فقال: أولئك أفصحُ الناس، فهل تعرفُ أهجى بيتٍ في الإسلام؟ قال: نعم، قولُ جرير:فَغُضَّ الطَّرفَ إنّك من نُمَيرٍ فلا كعبًا بَلَغْتَ ولا كِلابافقال: أحسنت. فهل تعرفُ أمدَحَ بيت قيل في الإسلام؟ قال: نعم، قولُ جرير:ألَسْتُم خيرَ منْ ركبَ المطايا وأنْدى العالمينَ بطونَ راحِفقال: أحسنت يا أعرابي، فهل تعرفُ أرقَّ بيتٍ قيلَ في الإسلام؟ قال: نعم، قولُ جرير:إنّ العيونَ التي في طَرفها مَرَضٌ قَتَلْنَنا ثم لم يُحيينَ قَتْلاناقال: أحسنتَ يا أعرابي. فهل تعرفُ جريرًا؟ قال: لا والله، وإني إلى رؤيته لمشتاق. فقال: هذا جرير، وهذا الأخطل، وهذا الفرزدق. فأنشأ الأعرابي يقول:فحيّا الإلهُ أبا حَرزةٍ وأرغَمَ أنفَكَ يا أخْطَلُوجَدُّ الفرزدق أتْعِسْ به ودَقَّ خَياشِيمَه (١) الجَنْدَلُفقال الفرزدق:يا أرغم الله أنفًا أنتَ حاملُهُ يا ذا الخَنا ومقالِ الزُّورِ والخَطَلِ ما ما أنتَ بالحَكَم التُّرْضى حُكُومتُهُ ولا الأصيلِ ولا ذي الرأيِ والجَدَلِوقال الأخطل:يا شَرَّ مَن حَمَلَتْ ساقٌ على قَدَمٍ ما مِثْلُ قولكَ في الأقوام يُحتَمَلُإنّ الحكومة ليست في أبيك ولا في معشرٍ أنتَ منهم إنهم سَفِلُفقام جرير مُغضبًا وهو يقول :شَتمْتُما قائلًا بالحقِّ مهتديًا عند الخليفةِ والأقوالُ تنتَضِلُشَتَمْتُماه على رَفْعي ووَضْعِكما لا زلتُما في انحطاط أيُّها السَّفلُثم وثب جرير، فقبل رأس الأعرابيّ وقال: يا أمير المؤمنين، جائزتي له. وكانت خمسةَ عشرَ ألفًا في كل سنة، فقال عبد الملك: وله مثلُها من مالي. فأعطاه إياها. كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (سبط ابن الجوزي)
قال التابعيّ إبراهيم التيمي: مَثَّلتُ نفسي في الجنّة آكلُ ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثمّ مثّلتُ نفسي في النار، آكلُ زقّومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: أيْ نفسي، أيَّ شيءٍ تُريدين؟ قالت: أريد أن أُرَدّ إلى الدنيا فأعمل صالحًا، قلت: فأنتِ في الأمنية فاعملي.محاسبة النفس (ابن أبي الدنيا).
قال الحافظ أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الإشبيلي رحمه الله :واعلم أن لسوء الخاتمة - أعاذنا الله منها - أسبابا ، ولها طرق وأبواب ، أعظمها [ ص: 166 ] الانكباب على الدنيا ، والإعراض عن الأخرى ، والإقدام والجرأة على معاصي الله عز وجل ، وربما غلب على الإنسان ضرب من الخطيئة ، ونوع من المعصية ، وجانب من الإعراض ، ونصيب من الجرأة والإقدام ، فملك قلبه ، وسبى عقله وأطفأ نوره وأرسل عليه حجبه فلم تنفع فيه تذكرة ، ولا نجحت فيه موعظة ، فربما جاءه الموت على ذلك ، فسمع النداء من مكان بعيد ، فلم يتبين له المراد ، ولا علم ما أراد ، وإن كرر عليه الداعي وأعاد .
ابن القيم -رحمه الله-: "ومفسدة الزنا مناقضة لصلاح العالم؛ فإنّ المرأة إذا زنت أدخلت العار على أهلها وزوجها وأقاربها، ونكست رؤوسهم بين الناس، وإن حملت من الزنا فإن قتلت ولدها جمعت بين الزنا والقتل، وإن حملته الزوج أدخلت على أهلها وأهله أجنبياً ليس منهم فورثهم وليس منهم، ورآهم وخلا بهم، وانتسب إليهم وليس منهم، إلى غير ذلك من مفاسد زناها، وأما زنا الرجل فإنه يوجد اختلاط الأنساب أيضاً، وإفساد المرأة المصونة، وتعريضها للتلف والفساد، ففي هذه الكبيرة خراب الدنيا والدين، وإن عمرت القبور في البرزخ والنار في الآخرة، فكم في الزنا من استحلال محرمات، وفوات حقوق، ووقوع مظالم!"
شهر القُرَّاء #شعبان قال ابن رجب -رحمه الله- :لمَّا كان شعبان كالمقدمة لرمضان شُرع فيه ما يُشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن؛ للتأهب لرمضان، وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمٰن. .▪️قال سلمة بن كهيل : كان يُقال شهر شعبان شهر القُرَّاء .▪️وكان عمرو بن قيس إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرَّغ لقراءة القرآن .لطائف المعارف ( ١٨٦)