"يَتمنّى الإنسانُ أمنِياتٍ كثيرة لم تُكتَب مِن نَصيبِه في عالَم الغَيب، ولا يَتمَنّى الإنسَان إلّا ما يَظنّه خيرًا له، وكَم نَنسى أنّ إدرَاكَنا ما يُناسِبُنا إنّما هُو إدراكٌ مَحدودٌ، لا يمكنه تَجاوُز مَدى رَبطِنا بين ما نَتمنّى وما نَظنّه يُسعِدُنا، لكنّ مَعرِفَتِنا غيرُ مُتَيقّنَة، وإدراكَنا مُقيّد، ومِن عجيب ما نَقرأ في هذا المَعنى، ما جاء في الحَديث القُدسيّ :
"إنّ مِن عبادي من لا يُصلِحهُ إلّا الغِنى ولو أفقَرته لأفسَدهُ ذلك، وإنّ مِن عبادي من لا يُصلِحهُ إلّا الفَقر ولو أغنَيتَه لأفسَدَهُ ذلك، وإنّ مِن عبادي من لا يُصلُحهُ إلّا الصحة ولو أسقَمتَه لأفسَده ذلك، وإن مُن عبادي مَن لا يُصلِحه إلا السَقم ولو أصحَحتَه لأفسده ذلك، وإني أدبّرُ لعبادِي بعِلمي بقُلوبِهِم إنّي عَليمٌ خَبير".
هذا الحَديث الُقدسِيّ على كَثرة تداوله لدى عُلماءٍ ثِقات - مثل ابن تيمية وابن رجب - مَحِلّ نقدٍ لدى علماء الحديث، وأظن والله أعلم أن عُمقَ معناه شفع له فتساهلوا في تداوله، فمضمونه يفيض حكمة وإيمانًا بحِكمةِ ما يختاره الله لعباده، فوق ما نظن وفوق ما نعرف وفوق ما نُدرك، وإذا كان الحُزن على ما فاتَنا أمرٌ تَصعب مُواجهتُه، فإنّ استِبصارَ المُؤمن لهذَا المَعنى يُزيحُ عن كاهِلِه أثقال حُزنِه ويُخَفف عَنه آلامَ ما فاته."
View more