أقتبآس : يأتي الصباح أحياناً على هيأة صبي مشاكس ، يبعثر أوراقك ، ويفسد صباحك ، يعاندك ، ولكن سرعان ما تعود الأمور إلى وضعها الطبيعي والمعتاد . " من هنآ آمنت بأبداعك "
السبت 21 مايوصباح الخير ، جميعًا .قبل أن تبدأ بالقراءة ، تذكر أن اليوم هو الغد الذي كنت قلقًا منه بالأمس ، هاهو الغد قد أتى ، كل شيء على ما يرام ، لذلك لا تقلق .قمت من فراشي متأخرًا ، إرتديت القميص وهرعت إلى الحافلة ، وصلت متأخرًا ، كنت محظوظاً لأني حصلت على المقعد الأخير قرب النافذة ، بدأت الحافلة تتمايل كلما هوت في حفرة من حفر شارعنا الذي أعيد ترميمه منذ أسبوعين ، وكلما هوت في حفرة تطايرت اللعنات والشتائم وأذكار الصباح عبر النوافذ ، كان الراكب الوحيد الهادئ هو أنا على أغلب الظن ، سرعان ما تدارك السائق الأوضاع ، وبادرهم أغنية لفيروز ، "بعيونك حنين ، وبسكوتك حنين ، لو أعرف حبيبي بتفكر بمين ؟" بدت هذه الكلمات كافية لإسكاتهم إلى حين نزولهم ، وبالفعل نزلوا من الحافلة على غير الحالة التي دخلوا بها . أن تجلس بين إثنين من أصدقائك وهما في شدة حوارهما الساخن ، ومقاطعتهما ، وتغيير مجرى الحديث ، لأمر غاية في المتعة ، أعلم جيدًا أن هذا الأمر يبدو مزعجًا نسبيًا ، ولكن للصباح قداسته ، للصباح عفويته ، تلك العفوية التي أقرب ما تكون كأوراق الشجرة المتناثرة بعدما كانت الشجرة أكثر صلابة وحفاظاً على أوراقها في الليل . بعد أن أفسدت عليهما الحديث ، شرعت في محاولة جادة في إقناعهما في إرتكاب عدة حماقات مسلية هذا الصباح ، كالتمدد على الشارع الفرعي لمدة ١٣ ثانية، أو.. أو.. أو.. ، في البداية صمتا لبرهة ، إستغربا ، ونصحني أحدهم وحاجباه نصف نائمان ، والنصف الآخر يقاوم النوم من شدة التبلد ، نصحني بالذهاب إلى جارنا الدكتور هيثم ، أقنعني أنه سيعمل لي خصم ٤٠% على الأغلب ، بينما نصحني الآخر بزيارة الفوّال ناصر ، أو النوم على أقل الأحوال . أدركت حينها أن لا فائدة ترجى منهم ، ذهبت لحديقة جدتي العجوز ، وشرعت في سقي الزهور ، الأقحوان ، الياسمين ، الأوركيد ، والنرجس الجميل لا أعلم لم شعرت بشعور الأبُوة وأنا أسقيها ، شعرت أيضًا أنني أسقي الأمل الذي في داخلي مع كل قطرة ، لكن ، هذا لا يهم بالقدر الذي يهم فيه مدى سعادة جدتي حينها ؛ الصباح جنة يا رفاق . يبدو النص إلى هذا الحد مشبعًا بالتفاؤل والألم والسعادة ، لكن ماذا عن الوجه الآخر للصباح على الضفة الأخرى من الحياة ؟ "فاتورة هاتفي إرتفعت ثلاثة أضعاف ، وصدقت شركة الكهرباء في وعيدها وقطعت الكهرباء ، مجموعة الطوابع البريدية التي كنت مهووسًا بجمعها منذ أعوام إختفت أو بالأحرى ضاعت ، " يأتي الصباح أحياناً على هيأة صبي مشاكس ، يبعثر أوراقك ، ويفسد صباحك ، يعاندك ، ولكن سرعان ما تعود الأمور إلى وضعها الطبيعي والمعتاد . بقيت في جعبتي عدة ساعات وينتهي الصباح ، وللأسف الشديد ؛ لم أنجز أي شيء يذكر ، تصفحت الصحيفة الوطنية ، لم يكن بها أي شيء يستدعي الإهتمام ، فصحيفة الأمس هي صحيفة اليوم ، وصحيفة غداً أيضاً ؛ كل مافي الأمر أن التواريخ والصور تتغير فقط . صندوق بريدي فارغ منذ مدة ، لم تعد تصلني الرسائل الصباحية كما السابق ، وهذا نذير شؤم يبشر بأن علاقاتي الإجتماعية في إنخفاض شنيع ، وهذا مقلق ، فالمتعة كل المتعة تكمن خلف تلك الرسائل . أيضاً في الصباح الباكر كأن مخلوقات الله كلها ب إنتظارنا لكي نتحدث ، معزوفة موسيقية تقف على النافذة ، طيور النورس على المكتبة ، والغزلان يتسابقن على الصف الأول من المقاعد ، وزوجان من العصافير يأكلان الببكورن ، وكل واحد منهما ينتف ريش الأخر بعفوية مطلقة . حقًا ، فليبارك الرب في صباحاتنا .________________ *طابَ صباحكم,جميعًا*