في مقالة للمنفلوطي اسمها رباعيات الخيام ذكر دعاءً لطيفًا يرقِّق” القلوب الصدئة بالذنوب والمعاصي، يقول: اللهم إنك تعلم أني ما كفرتُ بكَ مذ آمنت، ولا أضمرتُ لك في قلبي غيرَ ما يضمرُ المؤمنونَ الموَحِّدون، فاغفر لي آثامي وذنوبي، فإنّي ما أذنبتُ عنادًا لك ولا تمردًا عليك، و لكنها الكأسُ غلبتني علىٰ أمري وحالتْ بيني وبين عقلي، وأنتَ أجَلُّ من أنْ تقاضيني مقاضاةَ الدائنِ غريمَه، لأنك الكريم، والكريم يمنح العطيةَ منحًا ولا يُقرضها قَرضًا، ويسبغ نعمتَه الوارفة الظليلة حتىٰ علىٰ العصاة والمجرمين.”
وصفَ محمد الدسوقي الفرق بين من يملكُون عذب الكلام وعذب الشُّعور فقال: ‹ أمّا الأول فكنسيمٍ مرَّ خلسةً بك، أنعش روحَك لوهلة، ومضَى.. أما الثاني فكثيابك التي تُلازمك، تمنحُك السِّتر والدِّفء دون حتى أن تشعُر به!?
كُنت من النوع الذي لا يغلق بابه في وجه أحد .. فمررت بتجارب جعلتني لا أفتحه من الأساس.- أحمد خالد توفيق
-
"أنتِ خائفة؟ ممن، من العالم؟ أنا العالم من الجوع؟ أنا السّنابل من الصّحراء؟ أنا المطر من الزّمن؟ أنا الطّفولة من القدر؟ وأنا خائفٌ أيضًا.."?
وهذا كله لا يهمك ..أنت صبيّة وفاتنة وموهوبة..وبسهولة تستطيعين أن تدرجي اسمي في قائمة التافهين ، وتدوسي عليه وأنت تصعدين إلى ما تريدين..ولكنني أقبل ..إنني أقبل حتى هذه النهاية التعيسة....!ماذا أقول لكِ ......؟؟ إنني أنضح مرارة.....يعصر لساني الغضب مثلما يعصرون البرتقال على الروشة .... لا أستطيع أن أنسى ....ولا أستطيع أن أبعد عن وريدي شفرة الخيبة التي بذلتِ جهداً ....يشهد الله كم هو كبير ، لتجعلينني أجترعها بلا هوادة.... غسان كنفاني
وبما أنّه قرر أن الهرب هو الأفضل فقد وجب عليه أن يقطع شوطًا طويلًا من ألمٍ وحرقة، هذا أصلٌ لكل شعورٍ تمادى الإنسان فيه ولم يُحجّمه.. إن عجزت يداه أن تطاله ذاق المرَّ وكتمَ... فالينشغل عنه بالذكر والعمل فلا طريق تؤدي إليه.
لا أعلم بداية القصّة لكن أصغِ إلي: سمعت بأنّه شخصٌ ساذج، يحمل الدنيا فوق رأسه، يجلد ذاته باستمرار، يضع قلبه في راحته اليُمنى يقبضها ما استطاع ذلك، ما ارتأيت قط أحدًا يقسو على نفسه كما يفعل هو، ولا سمعت عن أحدٍ فزع من البشر كما فزِع هو.. إلّا حين أحب، فكان يركن كل هذا جانبًا كما يُركَن السلاح بعد المعركة، باسطًا راحة يديه، ومعيدًا قلبه إلى موضعه، وراسمًا شمسًا في مخيّلته لا تنطفئ أبدًا.. فقط تلك الحالة ما استثناها ورفع سوطه عنها، ثم بعدها تُرِك، ولك أن تتخيّل كم تُرِك، في كل مرّةٍ ظنّ أنّه لابد أن لا يُترَك كان يُترَك.
أي بُنَي!اعلم إن الحياة ليس من عادتها أن تأتي بأعوامٍ لطيفة، وأنها تظل متحفّظةً على صراعك الدائم ومهينةً أحيانًا لجهدك وجسدك، وأنّك يا بني على علمٍ بأنّها دار شقاء وليست بدار راحةٍ أبدًا، فلا تقف على بابها متمنيًّا أيّامًا يغدقها الفرح، ولا منتظرًا من أحد أبناءها أن يعوّضك، بل قف على باب اللّٰه الذي لا يغلق واطلب منه الرضى وسلامة البدن ، يمنحك رباطةَ جأشٍ تكفيك لمسيرة أعوام.
"نحن أيضًا تصرّفنا بسذاجةٍ مع الحب وحمّلناه فوق معناه. ظننّاه مرهمًا فعّالًا لكل خيباتنا، أن يأتي ويشطب الوحدة من غرفنا وأن يلوّن الجدران المائلة للسقوط فوق رؤوسنا، أن يتصرّف بمثاليّة مع الأشياء العالقة بالحنجرة، هكذا بلمحة بصرٍ أو بمعجزة. لكنّ الحب أضعفُ من أن يفعل شيء خيالي، هو يُعطيك سعادة مؤقتة، ينقص من وحدتك مليمترًا واحدًا، وكلما نقصت وحدتك، ازدات حدّةً وصارت أسنانها جائعةً تنهشك أكثر. الحبّ أنانيّ له شهواته وله حريّته، يعطي وقتما أراد ويحرمك بالمقابل حقيقة الأمور، هو غباش، ضباب أو سمّه خيبةً جميلة."
فلنجتمع ولنتقاسم الألم الذي يسكنني، وأول من يسقط فهو خاسر، جميعنا يعلم أنه ليس أنا، فأنا مصدر كل ذلك، أنا النهر الذي سيروي جميعكم حتى الإختناق ثم لا يزال يفيض، وأنا من يطبب جروحكم بعد ذلك وأظل المريض، فلنتوقف عن اللعب فلن يربح أحدنا... وقد خسر الجميع.
#وإني_اتألم_بشدة
كان اللّٰه في عونك يا غريب.. هوّن عليك وجبَر كسرك?
قد تنام ليلتك معاهدًا نفسك أن تحتمل صعوبة غدٍ جديد، مرسّخًا فكرة أنك تتجاوز وأنك على صُغر حجمك قادر على حمل ضغوطٍ تلوّح لك في الأفق، مكرّسًا وقتك لِأن تصبح حجرًا أسودًا ثقيل.. فجأةً تنتبه أنك أضعف من هذا كلّه، قلبك مضغةٌ من دمٍ وطين لم يكن يومًا حجرًا، حين تبكي لفقدانك احدى فردتي جواربك تدرك أنّك تحمّل نفسك ما لا طاقة لك به.
اللغة ملجئ، المفردات القصيرة ذات التعبير القوي تمنح الإنسان شعورًا بأنّه سَمِع كلامًا قصيرًا حَمَل كل ما بداخله، لا يحتاج لجملٍ طويلة ولا بوحٍ زائد. إنها تشفي الإنسان، تشفي كتلة المشاعر تلك، من ضريبة البوح، والخوف من العدم.