للتعاسةِ صوت رخيم يوقفك عن الصراخ والكلام والتلعثم والتفكير حتى عن طيّ شفتا عينيك. ولها لون ترابي أيضاً يسرق جميع ألوان الزهور والأبواب. يرسم مشنقةً على كل شيء ثم ينتظر من الذي سيبدأ بالسير إلى هناك. للتعاسة يدٌ حين تضعها على كتف الإنسان، تتغلغل إلى جسده وروحه وإلى عقله وأفكاره حتى تصبح جزءاً منه أو تصبح هي كله وكل ما يمتلكه ويفكر فيه. وجهها لا يشبه وجهك.. ولكنك تراه في الشوارع والمرايا. تسمع صوته يدندن في رأسك ولا يمكنك أن تخرج منه. تشعر به مدسوساً بين نسمات الريح، تستنشقهُ وتتنهد به.. وإن قررت ألا تفعل ذلك فستموت. للتعاسة تناقضات عدة.. فهي لا ترحل إن رغبت ولن تشعر بألمها ان قبلتها صباحاً ومساءً لن تقتلك، ولن تجعلك تعيش أيضاً. طعمها لاذع المرارة.. تذوقه لكي تميز مذاقه ولكن لا تتناول الطبق كاملاً فستصاب بالتخمة.!
لا أُريد شيء أريدُ أن يعود مني بعضي إليّ أريدُ ضحكتي نشوتي وحماسي أريدُ لهفتي لكتابٍ جديد لغيمةٍ في البعيد أريدُ يا الله نفسي ولكن آه كم أنا عن نفسي بعيد.
أخاف أن يظل العالم يحاصرني، حتى يكاد يمحوني، أنأظل أهرب مما يخيفني، حتى أنسى ما أريد وأنيلجمني التردد، فأظل في مكاني دوماً، أخافمما لا يمكنني استدراكه، ومن إنفلات ما هو لي، ومن رغبة عقلي بمعرفة كل شئ، قبل أي حركة، أخاف من عدم معرفتي بذاتي؛ هل خلف هذا الجسد المرهق، والعقل المليء بالهواجس يوجد شيء أجمل، هو أنا، أم أنني محض مجموع مخاوفي وآلامي..!
لا أعرف إلى أين لربما لأنني الآن أفتقد كلّ شيء كان معي أفتقد الصديق، الرفيق، الدرب والشغف، أفتقد ذاتي وكل شيء كان يُرافقني في كل مرّة، لا أعرف إلى أين وهذا أسوأ ما وصلتُ إليه طيلة حياتي، إنني الآن أقف دون أن أكترث لشيء،فقط شخصٌ صامتٌ يُفكّر ماذا حدث؟
رتبت كل شيء في الغرفة، الملابس، الكتب، الرفوف، أكواب القهوة، الأوراق المتراكمة، جدول أعمالي الفارغ، الصور في هاتفي أيضاً رتبتها، انتهت الفوضى، كل شيء في مكانه الصحيح الآن.. إلا أنا، جلست في زواية الغرفة وبحسرةٍ أمسك رأسي بكلتا يدي.. كيف أفعلها في الداخل يا ﷲ؟
أشعرُ بوخزةٍ في قلبي كُلّما تكلم أحدهم عن العائلة أو كلما رأيتُ عائلةً دافئة تحتضن أفرادها في فرحهم وحزنهم ومرضهم وشؤون حياتهم..
ليس حسداً أبداً والله، بل احتياجاً وشوقاً، شوقاً للذراعَينِ الملتفّة حول قلبك عندَما تكونُ في أسوأ حالاتِك، وحنيناً للدفء الذي يسبله وجودهم عليك حين يصيب الصقيع أرجاء روحك. حافظوا على هذه النعمة العظيمة،كل شخص في حياتكم معرّض للزوال بكل ما يملكه تجاهك من مشاعر ومواقف، إلّا عائلتك.. هم الثبات الوحيد واليقين الوحيد..!
هذا الوجه الذي لديّ اليوم هادئٌ جداً، حزينٌ جداً، رقيقٌ جداً، لم يكن لديّ مثله! ليس هذه العيون الفارغة، ولا هذه الشفاه المريرة، لم تكن لديّ هذه الأيدي الهزيلة، ولا هذا القلب الذي يُخفي نفسه، يا إلهي! في أيّ مرآةٍ فقدتُ وجهي..!
أشعر بالبرد في قلبي، وأتنهد دون قصد فينكشف أمري، ويعلم من حولي أنّ هناك شيئاً ما يحترق بداخلي، ربما قلبي وكلما حاولت إخفاء أثر الدخان المتصاعد منه، كلما زادت التصرفات التي لا حكم لي عليها، كأن أتنهد في منتصف الحديث، أو أن تفر دمعة هاربة من عيني فأبرر ذلك بأن شيئاً ما ارتطم بعيني، وفي الحقيقة أن كل الارتطام كان في قلبي..!
نحنُ أصغر من أن نفهم حكمتك، لا نعترضُ ولا نخوضُ فيما تراهُ وتقضيه، أنتَ أعلمُ، أنتَ أدرى أنتَ ربّنا وربّ أحزاننا ومصائبنا وأوجاعنا وأقدارِنا.. سُبحانك ما علِمنا ما تعلم، سُبحانك نرضى بكلّ ما تقضي، سبحانكَ رضينَا، سبحانك آمنا.♥️
لستُ حزيناً جداً كلّ الأحداث التي تراكمت في الأيام الماضية لم تقصم ظهري بعد، صحيح أنّه انحنى بشكلٍ مثيرٍ للسخرية، لكن دائماً ثمة مكان لحزنٍ جديد و خيبة أخرى، الأوجاع المتوالية لا يُرقق بعضها بعضاً، بل يُلغي بعضها بعضاً بجبروت و تكبّر، المشكلة أنك لا تعيش حزنك بشكل كافٍ لإنهائه، تنتقل منه مبكراً كل وجع يبتر الوجع الذي قبله بشكلٍ مشوه جداً..!