أُمسية نوڤمبرية ....!
-بغداد .. الثلاثاء ٢٦ آذار ٩٢٢م الموافق ٢٣ ذو القعدة ٣٠٩ه
تجتمع الحشود على ضفاف دجلة في أكبر حشد عرفته بغداد، يقف أحد الدروايش بين الصفوف، راجف القلب، دامع العين، كظيم الغيظ، وقد تركزت نظراته على الحلاج، الذي وقف في أغلاله وقيوده، مشرق الوجه، عالي الرأس، شامخًا جليلًا، وقد أحاطت به صفوف الجند، وطوقته زبانية العذاب، وارتفعت إلى السماء قوائم خشبية غليظة جللت بالسواد، هي الآلة التي أُعدت لجلده وعذابه وصلبه.
تكتظ الساحة ويتزاحم القادمون، وتطل النساء من الشرفات.. كلهم يجول بعينيه بحثًا عن الشيطان الذي تحدث عنه الشيوخ والحكام، كلهم يصيخ السمع لعله يسمع قهقهاته القادمة من قعر الجحيم.
يتجمع الجنود حول الجسد الهزيل المُسجّى بالأسمال الملطخة بالدماء.. خمسة وستون عامًا وجسد ناحل تعجب كيف يقف على قدمين!
يُصلب الجسد الهزيل وتتعلق عيناه الذابلتان بالأفق الملطخ بالأحمر، وبقايا شمس آثرت الهروب خجلًا وعارًا..
تتمتم الشفاه المتشققة بكلمات خافتة يصغي لها الجلاد لعل فيها توبة ونكوصًا فلا يفهم منها شيئًا، وقد بدت له كطلاسم السحرة وهذيان المجذوبين.
يرفع الوزير "حامد بن العباس" يده فتهوي يد السياف ويقطع اليدين والقدمين.. تُكبر الجموع ويهتف الغوغاء..
تسيل الدماء على الأرض ويتوارى آخر شعاع للشمس الهاربة.
تهب ريح باردة ويسأل صبي أمه: لماذا فعلوا به هكذا؟! تنظر الأم إلى الجسد الذابل المصلوب، وقد مستها رجفة، وتنظر إلى وجه الحاكم الممتلئ، وتهمس لوليدها في خوف، ودموعها تسيل علي خديها: إنه شيطان رجيم يفسد في الأرض!
يرفع الوزير كفه مرة أخرى فيتدحرج الرأس الشاحب وتتلطخ اللحية البيضاء بلون الدم، وتعانق العينان لآخر مرة لون السماء القاتم.
ترتفع التكبيرات ويبتسم الحاكم وتهتز اللحى التي تقف وراءه في رضى.. هل ظنوا يومها أنهم قضوا علي الحلاج وفكره؟!
ينصرف الجميع ويبقى في الساحة جسد مصلوب، ورأس تعلقت عيناه بالسماء، وغير بعيد يقف صبي يافع يرمق الجسد المصلوب، ويمسح دمعة سالت على خده، ثم يمضي بعيدًا وهو يردد بصوتٍ خافت:
"أدنيتني منك حتى .. ظننتُ أنك أني".
فسلام للعاشقين، الصادقين، الهائمين، المتجاوزين خلافات المذاهب والعقائد والأديان، المحلقين في سماء الوجود والإنسانية.. سلامًا عليهم أين ما حلّت رواحلهم.
تجتمع الحشود على ضفاف دجلة في أكبر حشد عرفته بغداد، يقف أحد الدروايش بين الصفوف، راجف القلب، دامع العين، كظيم الغيظ، وقد تركزت نظراته على الحلاج، الذي وقف في أغلاله وقيوده، مشرق الوجه، عالي الرأس، شامخًا جليلًا، وقد أحاطت به صفوف الجند، وطوقته زبانية العذاب، وارتفعت إلى السماء قوائم خشبية غليظة جللت بالسواد، هي الآلة التي أُعدت لجلده وعذابه وصلبه.
تكتظ الساحة ويتزاحم القادمون، وتطل النساء من الشرفات.. كلهم يجول بعينيه بحثًا عن الشيطان الذي تحدث عنه الشيوخ والحكام، كلهم يصيخ السمع لعله يسمع قهقهاته القادمة من قعر الجحيم.
يتجمع الجنود حول الجسد الهزيل المُسجّى بالأسمال الملطخة بالدماء.. خمسة وستون عامًا وجسد ناحل تعجب كيف يقف على قدمين!
يُصلب الجسد الهزيل وتتعلق عيناه الذابلتان بالأفق الملطخ بالأحمر، وبقايا شمس آثرت الهروب خجلًا وعارًا..
تتمتم الشفاه المتشققة بكلمات خافتة يصغي لها الجلاد لعل فيها توبة ونكوصًا فلا يفهم منها شيئًا، وقد بدت له كطلاسم السحرة وهذيان المجذوبين.
يرفع الوزير "حامد بن العباس" يده فتهوي يد السياف ويقطع اليدين والقدمين.. تُكبر الجموع ويهتف الغوغاء..
تسيل الدماء على الأرض ويتوارى آخر شعاع للشمس الهاربة.
تهب ريح باردة ويسأل صبي أمه: لماذا فعلوا به هكذا؟! تنظر الأم إلى الجسد الذابل المصلوب، وقد مستها رجفة، وتنظر إلى وجه الحاكم الممتلئ، وتهمس لوليدها في خوف، ودموعها تسيل علي خديها: إنه شيطان رجيم يفسد في الأرض!
يرفع الوزير كفه مرة أخرى فيتدحرج الرأس الشاحب وتتلطخ اللحية البيضاء بلون الدم، وتعانق العينان لآخر مرة لون السماء القاتم.
ترتفع التكبيرات ويبتسم الحاكم وتهتز اللحى التي تقف وراءه في رضى.. هل ظنوا يومها أنهم قضوا علي الحلاج وفكره؟!
ينصرف الجميع ويبقى في الساحة جسد مصلوب، ورأس تعلقت عيناه بالسماء، وغير بعيد يقف صبي يافع يرمق الجسد المصلوب، ويمسح دمعة سالت على خده، ثم يمضي بعيدًا وهو يردد بصوتٍ خافت:
"أدنيتني منك حتى .. ظننتُ أنك أني".
فسلام للعاشقين، الصادقين، الهائمين، المتجاوزين خلافات المذاهب والعقائد والأديان، المحلقين في سماء الوجود والإنسانية.. سلامًا عليهم أين ما حلّت رواحلهم.