يتجدد الإنسان كلما مرّ بتجربة لم يكن قاصداً الذهاب إليها. تظل تطحنه أيامها حتى تنتزع منه قدرة عجيبة على المقاومة. فما زال يتخبط حتى يتخطّاها بالفهم لا بالقوة، بالصبر لا بالعجلة.
قد يحصل بينك وبين أحد محبيك خلاف يتولد منه الهجر، وكل واحد يُكابر في إرضاء صاحبه، وربما يكون إرسال نقطة بمثابة كتاب، نظرًا لعظم المحبة بينكما، فكن أنت المبادر فقد يكون لسان حال صاحبك:"راضونَ منك بنقطةٍ فابعث بها إن النقاطَ من الحبيبِ كتابُ"
نحن نعيش عصر السكينة المفقودة، يلهث إنسان اليوم خلف الانفعال لا الفعل؛ يحس أن عجلة التهميش ستطحنه إن بقي ساكنًا للحظات، لذا لابد أن يعلق ويتفاعل مع كل شيء حتى يحقق وجوده، والنتيجة؛ كائنات قلقة تحت الطلب دائمًا.
يقول أحدهم : خاصمت زوجتي شهرين لأمر ما، لا اكلمها ولا آكل في البيت و بعدها تحاورنا واتفقنا و تصالحنا و تم حل هذا الامر الذي غضبت لأجله ولكن ,,
وجدت ان امرأتي اعتادت النوم وحدها، تقول طول حياتي كنت اقرأ حتى انام و لكن منذ تزوجتك كنت لا أريد أن أزعجك بالضوء لكن في فترة هجرك رجعت لقرائتي و ارتحت لما اعتدت عليه.
كنت اشعر انها عندما تدخل الغرفة تستنكر رائحة نفسي فيها و هي التي كانت لا تعرف تنام ان بعدت عنها 20 سنتيمتتر. لم تعد تعلق على الاكل ،كفاية ملح حاسب صغطك سيرتفع، فهي اعتادت اني اكل جاهزا لمدة شهرين ما عاد يفرق معها ملحي في الطعام زاد او نقص.و بعد ان كانت لا تكف عن خلق احاديث معي اصبحت صامتة في وجودي منشغلة بقرائتها أو حياكتها، شعرت اني بخصامي لها انتصرت في أمر لكني خسرت أمامه الكثييييير جدا . . خسرت ما لم أكن أشعر بقيمته و كان الثمن اغلى بكثييير مما جنيته.الهجر لا يصلح خطأ ولا يقيم جدارا ,, وإنما يدمر العلاقات ,, يستزفها كليا، يقضى على اخضرها ويابسها,, يترك الاشرعة مثقوبة,, ممزقة يقودها التيار إلى حتفها إلى هلاكها المحتوم.
اشتكى أحدهم إلى الأستاذ عبدالوهاب مطاوع -رحمه الله- ، بأنه كان يحب فتاة ولكن لم يستطع الزواج بها، فتزوج فتاة أخرى، إلا أن مشاعره تجاه زوجته الأن مشاعر "هادئة" وليست "ملتهبة" كما كانت تجاه تلك الفتاة.فقال الأستاذ عبدالوهاب له :"لقد فات عليك إدراك قيمة هذه المشاعر الهادئة نفسها ومدى عمقها وتغلغلها في النفس والوجدان؛ فالمشاعر الهادئة هذه ليست سطحية ولا ضعيفة الأثر في نفس من يحملها، وإنما هي تيار متصل يتسم بالاستمرارية والثبات، على خلاف المشاعر "الفوّارة" التي قد ترتفع إلى الذرى العالية في بعض المراحل ثم تخمد وتهبط إلى سطح الفتور بعد حين .وأكثر قصص الزواج نجاحاً وتوفيقاً واستمراراً إنما اعتمدت على مثل هذا التيار الهادئ المتصل من المشاعر ، أكثر مما اعتمدت على الفوران العاطفي المتأرجح دوماً بين الحدة والخمود.إنها مشاعر ينطبق عليها المثل الإنجليزي القائل: ( ببطء، ولكن بثقة )". ? تحية المساء ١٦٣
يتجدد الإنسان كلما مرّ بتجربة لم يكن قاصداً الذهاب إليها. تظل تطحنه أيامها حتى تنتزع منه قدرة عجيبة على المقاومة. فما زال يتخبط حتى يتخطّاها بالفهم لا بالقوة، بالصبر لا بالعجلة.