ثمة لحظة في حياة المرء، يدرك فيها إنه لم يعد نقيًّا بعد، لحظة خروجه للأبد من فردوسه الخاص، في هذه اللحظة ندرك بكل قوة أن الملائكية لم تكن سوى حلم طفولة، ليست الحياة إلا ذاك الجهد الحثيث لإيقاظنا منه، وندرك أن النضج الذي كنا نهفو إليه كأنه المرسى ليس في النهاية سوى تحمل غربة الخروج والنفي، ليس إلا تحمل الخطأ الذي يمزق روحنا في كل ليلة، ليس إلا الصدع بعد الالئتام، ليس إلا الألم وطلب الصفح ورجاء الخلاص. إننا نولد ونكبر وفي ذهننا ذكرى الفردوس وحلم الملائكية، ثم تسخر الحياة من أوهامنا بأن ترشدنا بسخاء إلى ذاك الشيطان الكامن فينا، ترسمه لنا برعونة في كل مرآة، وبعدها، بعدها الكثير يصبح ماردّا كالشيطان، والقليل يصبح أوّابًا كإبراهيم، وأقل القليل من يصبح هاديًا كمحمد، والنادر أو -قل المستحيل- من يصير مخلِّصًا كالمسيح، والبقية على أبواب الفراديس يتساءلون؛ متى تتطهر أرواحنا، متى نستحق الدخول؟!.-لقائلها