في الصورة جزء من وزغة طولها حوالي ٧ سم محفوظة في الكهرمان الذي يحافظ على الأنسجة الرخوة للكائن الحي. عمر هذه الوزغة التي تستطيع أن ترى عينيها وفمها وانثناءة ذراعيها في الصورة على أقل التقديرات هو ٥٤٠٠٠٠٠٠ سنة!الرقم الذي قرأته صحيح، ولم يكن ٥ آلاف سنة وقت الفراعنة، ولا كان ٥٠ ألف سنة الذي يوازي حوالي ربع عمر الإنسان على الأرض حسب أقرب التقديرات الأنثروبولوجية، ولا كان مليون سنة والذي يوازي أكبر رقم يمكن تخيله في عقول أطفال المرحلة الابتدائية لعدد من السنين وهم يتمنون لك عيد ميلاد سعيد. بل ٥٤ مليون سنة!الرقم أعلى بكثير مما يمكن تخيله أو استيعابه، ليس أنك تعلم أن هناك من المخلوقات ما كان يعيش في هذا الزمن السحيق، ولكن أن ترى بعينيك هذا المخلوق نفسه بكل تفاصيل خلقته أمامك وتحاول أن تتخيل عدد السنين التي مرت منذ أن كان يعيش.يأخذنا ذلك إلى ما هو أبعد، أقدم حياة معروفة على وجه الأرض يُقدر عمرها ب ٣.٥ مليار سنة! من جديد نحن نتحدث عن رقم لا يمكن تخيله. عمر الأرض ٤.٥ مليار سنة، الصخور التي تراها في الجبال والمياه التي تراها في المحيطات كانت هنا منذ حوالي ٤ مليار سنة، لو ضغطنا هذه المدة من الآن وحتى لحظة تكون الأرض في ٢٤ ساعة، فالبشر ظهروا على هذا الكوكب في آخر دقيقة من اليوم كله. وتم اختراع الكتابة في آخر ٤ ثوانٍ فقط!هل ما زلت ترى أن المصاعب مصاعب، وأن الأفراح أفراح؟ هل يحتفظ العالم بنظرتنا المملة له حين نعلم كيف هو أكبر منا بكثير، وأقدم منا بما لا يقاس؟ هل ما زلت قادرًا على أن تشعر أن الدنيا تضيق عليك بخياراتها الواسعة لمجرد تجربة ذاتية مؤلمة، أو لحظة قاسية مرت بك حين كان عمر البشرية كلها في الكون مجرد لحظة؟ هل ما زلت قادرًا على الخلاف والشقاق والشجار بنفس الحماس؟ هل ما زلت ترى أن إثبات أنك كنت على صواب في المحادثة التافهة التي جرت بالأمس في حفلة أحد الأصدقاء أمر على هذا القدر من الأهمية؟ أو أن الفتاة التي كسرت فؤادك تستحق أن تفني بقية عمرك في الرثاء لحالك من بعدها؟ هل ما زلت قادرًا على أن ترى الله بنفس النظرة السطحية الغبية إياها؟ ألا تتخيل عظمته أو تأخذك الجلالة لقدره وقِدَمه؟هل ما زلت تتمحور حول ذاتك وتدور في فلك رغباتك بعد أن عرفت أنك منطقيًا، بيولوجيًا، حسابيًا، أقل من أن تكون شيئًا مذكورًا؟د. مهاب السعيد