"عرب الحيرة الذين كانوا متشبهين بإيران المتحضرة، والعرب الغساسنة الذين كانوا متشبهين بالروم الشرقية المتحضرة، مع أنهم كانوا يقلدون المتحضرين في العالم آنذاك في ثيابهم وطعامهم وحياتهم وأبنيتهم وتشريفاتهم، بل وشيدوا قصري الخورنق والسدير تقليداً لقصور وبلاطات الساسانيين المشهورة، إلا أنهم لم يتحضروا قط ، مع أنهم كانوا بلا شك عرباً حداثيين يتمتعون بنوع من الحداثة المتقدمة في حياتهم يومذاك مقارنة بعرب البادية وحتى قريش مكة وثقيف والطائف والأوس والخزرج في المدينة وقبائل هوازن وغفار الذين يشربون حليب الإبل ويأكلون السحالي والضباب. لكن الحضارة قضية أخرى. الحضارة لا يمكن العثور عليها في الاستهلاك والظواهر والكماليات والتجمّلات والأتكيت بل في الرؤية والفكر والنظرية ودرجة اللطافة وعمق الأحاسيس والعلاقات الإنسانية والأخلاقية ونظام القيم وقوّة وغنى الثقافة والدين والفن والقابلية للإبداع والتحليل والاختيار والاقتباس. الحداثة ممكنة التحقق بسرعة عن طريق التقليد، لكن الحضارة على خلاف ذلك تماماً، فهي تدفق ذاتي وتحرّر من التقليد ووصول إلى حدود الإبداع وتشخيص مستقل عرب الحيرة والغساسنة ليسوا عرباً بدويين ولا هم عرب ،متحضرون إنهم آسيميليه متشبهون حداثيون أولئك يقلدون خسرو، وهؤلاء يقلدون قيصر !"- علي شريعتي، العودة الى الذات