رؤى ?? . أنا رجلٌ متوّحد ، أسكن في أحد أحياء آلزرقآء القديمة ، بيتي هو الطابق آلثآني ، أمتلكُ ثَقبًا في باب منزلي ، لا يزورني أحد ولا أمتلك أصدقاء ، أقصِد من البشر فأنا أمتلكُ عُصفورًا أخضر يُطعمني كُلّما شعرتُ بالجوع ، وأمتلك تختًا ووسادًة حمراء ودولابٌ أصفر اللون والكثير من الكُتب ، جميعهم أصدقائي ، أُفضل دائمًا الأصدقاء المتوّحدون مِثلي ، فجميع من ذكرتهم هُم مِثلي ، لا يُغادرون المنزل وصداقاتنا واحدة ، أمتلكُ أيضًا ثقبًا في قلبي نصحني عُصفوري الأخضر ألّا أزور الطبيب فهو تكفل بعلاجي وقد نفع الأمر ، أنتِ يا جلنار رُبّما تتعجبين أنّي أكتُب لكِ ما أكتب ! ستندهشين أكثر عندما تعلمين أنّيَ خُذلتُ البارحة جِدًّا ، وأقولها للخُذلان وليس لإندهاشك . البارحة وكعادتي بعد أن انتهيت من كِتاب "قواعد العشق الأربعون" للمرّة الواحدة والأربعون على التوالي جلست أتبادل أطراف الحديث مع عُصفوري الأخضر ، وشاركنا كِتاب "عائد إلى حيفا" النقاش ، وكان النِقاش دائرًا بين ثلاثتنا عن الثقب الكبير الذي استوطن قلبي وسبّب لي ضعفًا فيه ، أخبرتُ طائري أنّه يؤلمني فاحتضنني وبكى ، وقال : يا صديقي على رِسلك في شُربِ النبيذ والسجائر ، خفِّف ما استطعت مِنهم وكما وعدتك أنّك ستُشفى وها أنا ذا أحضُنكَ وأبكيكَ كُلّما شعرت بالألم ، هممت الحديث ولكنَّ كتابي المسبوق ذِكره قاطعني وقال : ذلك عُصفورٌ أحمق ، كيف لكَ أن تشفى بِحُضنٍ مع القليل من الدموع ! لا تستمع لِما يقول وعالج نفسك بالنبيذ الأحمر المُر والسجائر ، فذلك واللهِ خيرُ عِلاج ! وعندما هممت بالحديث قاطعني قلبيَ أيضًا وأخبرني أنَّ نوبًة أصابته ، وعِندما هممت بالحديث مع قلبيَ علّي أُطمئنه قاطعني صوتُ نحيبٍ من الشارع ، سارعتُ إلى ثقب الباب مُتداركًا وجعي لأرى ما الخبر ، فتفاجأتُ بِظلٍّ أسود أمام منزلي يبكي ! أخبرت عُصفوري وكُتبي وسريري و وسادتي ودولابيَ الزهري عنه ، وسألتهم أن أخرج إليه فرفضوا جميعهم ما عدا كِتابيَ "مِئة عامٍ من العُزلة" قال اخرج وانظر لنا ما الخبر ، فقد يكون أحدَّ المهووسين بالمجانين عَرِف عنك وانتحب عليك ! ولكنَّ باقي الأصدقاء جميعهم رفضوا ! فانتظرتهم دقيقتان ، غافلتهم ومددتُ يديَّ من ثقب الباب وبدأتُ بإعتصار نفسي حتّى خرجت كاملًا من الثقب ، وحينها فقط رأيتُ ملامح الظِلِّ الأسود وهو يبكي ، لقد كانت أُمّي ! كانت أُمّي أمامي تبكي وأنا لستُ قادرًا على الحراك .. نظرت إليَّ فوجدتني مُستلقيًا على سريرٍ أبيض ! بحثت عنّي وعن أصدقائي فلم أجدهم ، نظرتُ إلى منزلي فوجدته مِرآةً في الحائط خلف سريري الأبيض ! لا ثقبٌ في الجدار! ولا عُصفورٌ أخضر ولا كُتب ولا دولاب ولا وسادًة حمراء ! اختفى كُلُّ شيء ، تمامًا كُلُّ شيء ، حتّى أُمي اختفت عندما دار في رأسي أنّي هُنا في المشفى المركزي وأُمي لا تزال في سوريا ، اختفى كُلُّ شيء وبقي ثقبُ قلبيَ فقط ... أتسائل بيني وبيني ماذا لو لم أُنصت لكتابي "مئة عامٍ من العُزلة " ؟ هل كنتُ سأبقى عالقًا في عالميَ ذلك وأوّدع عالمكم اللعين هذا ؟ !
رههف ? . - لم تلدني أُمي لأعادي أحدًا أو أُسبب المتاعب لِغيري ! حسناً أنا هُنا لهدفٍ واحد، أبذل جهدي لأحقّقه قبل أن أرحل من هذهِ الغابة ..أحياناً تؤلمني التّغيرات التي حلّت بالنّاس , من بين النّسخ الأربعين أخذو الأبشع ! كم من شخص كان جميل لكن قبَّحتهُ أفعالهُ وأقوالهُ.على كلٍ إن كُنت تراني عدوًا، فلَكَ حرية إختيار هويّتي، سأتركك تتصارعُ معَ نفسَك و تعاديني لكن من طرفٍ واحِد .. أما أنا فأُسامِحُك ولن تكون عدوّي، لم يخلقني الله لِهذا و لم أُخلق لأكره أحد. أعتقد لو تناسى النّاس الحقد والعداوة لأستحالت الأرضُ جنّـة !أعلم جيداً أن الحياة لا تُعطينا دور الطّيبة دائماً لكني أكره أن أكون سسيء .. إلى من يظن أنه عدوي : - أنت لا عدوٌ لي ولا صديقُ .. أنتَ بِبساطة لا شيء.. ??
نآدين ? . الفكرة أنَّ لا فكرة ، الفكرة أنَّ لا نص ، ولا قصيدة ، ولا حنين ، ولا غيومٌ ترتعد خوفًا فتبكي مطرًا كُلّما صعقت السماء ، ولا مِظلًّة لنحتمي تحتها من الدموع ، ولا عيونٌ لتبكي حتّى ! الفكرة أنَّ لا فكرة ، ولا أنتِ ، ورُبّما ولا أنا حتّى ! ?