" علموا أولادكم أن المشي بجانب الحيط ذل وجبن وليس أمان، وأن من علمني حرفاً صرت له محباً وليس عبداً .. وعلموهم أن يداً واحدة تغرس وتكتب وتطلق النار لا يُعطلها عدم استخدام اليد الأخرى، وإن كانت لهم حاجة عند الكلب يقولون يا كلب، وعلموهم أن يمدوا أرجلهم خارج اللحاف وليصنعوا لأنفسهم لحافاً أطول ولا يستكينوا لقصره. وعلموا أولادكم المقاومة " ..
لأنّنا من طين، والطين خطّاء توّاق للكمال، وناقص مُتطلِّع للتمام .. وشيمةُ الطين التأرجُح ما بين النُّور والنِّار، بين تسبيح الملائكة فينةً وزيغ الشياطين تارة .. يهوي به ضعفهُ إلى سفح الشياطين، ثم يعلو راجِياً مُزاحمة الملائكة .. ما يلبث أن يأكُل من شجرة الخُلد طمعاً في الكمال، حتى يمسي يُواري سوآت الخطيئة خجلاً، ولا تثريب فخيرُ الخطّائين التوّابون .. فما نحن ببالِغي الكمال بنقصِنا ( وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُون ) .. ومع ذلك نرجو التملُّص من الأثم ( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ) ..
(الغُربة) هي الإنفصام واللا إنتماء، وهي شُعور مُنتهاه الحتمي إلى (العُزلة) .. والعُزلة هي الخُروج على الجمهور، وخلع يد الطاعة عن العقل الجمعي، وهي كذلك خلوة التأمُّل التي تتحقق فيها الإستقلالية الفكرية المُؤدية إلى (التغيُّر) الداخلي، ومن ثُم (التغيير) الخارجي ..وتلك الأربع إنما هي محطات مُرور جُل من تركوا أثراً في هذا العالم .. غُربة، فعُزلة، فتغيُّر، فتغيير ..
المعتزل البشر ومهازلهم ..دخل علينا أحد الأصدقاء وهو يتمتم بالشتائم وبدى على وجهه الغيظ والحنق .. فحكى لنا أنه سُئل من قِبل أهل فتاة عن صديق له أتاهُم خاطباً أختهم، وصديقه هذا غير جيِّد فأخبرهم بأن يسألوا غيره، فألحُّوا عليه، فقال لو "كانت أختي ما زوجتها له"، وما صارحهم إلّا من باب الأمانة وقول الصدق وإبراء الذمة، ثم أغلق الخط، لينتهي الموضوع هنا -أو هكذا يظن- .. فإذا بأهلها يوافقون على صاحبه، وكأن شهادته شهادة محتال، ولم يكتفوا بذلك، بل أخبروا الخاطب بأن صاحبه أخبرهم بأن لا يُعطوه إياها ..وبالتأكيد نحن لم نتمالك أنفسنا فانفجرنا ضاحكين بوجهه العبوس ..