للصدق السبب ليس فنّي خالص وإنما إنجذاب لفرادة شخصيته، يشُدني كونه الأدنى نسباً بين الفرزدق والأخطل ولكن ما أثناه ذاك ساعةً عن مُناطحتهُما وجلدُهما بسياط قوافيه .. ثم أنه لا يكتفي بهجاء الواحد بل يحشر الشاعرين والثلاثة في القصيدة، أو حتى في البيت الواحد مرّاةً .. وكذلك تُعجبني بداياته بالشعر وحقيقة دُخوله الهجاء دون قصد وإنما اضطراراً للذب عن قبيلته .. وتُضحكني واقعته مع الرّاعي النُميري الذي فضَّل الفرزدق عليه فأخزى له قبيلته كلها .. وأحترم ترفُّعه عن انتهاج الهجاء الفاحش كما يفعل خصمه اللدود، بل حتى رثاءه له لاحقاً رُغم أربعين عاماً من الحرب الكلامية الضروس والسِّجال الشعري الذي خاضاه، وإن دلّ ذلك فيدُل على سلامة صدرِه .. حيث أنشد : لعَمري لقد أشجى تَميماً و هدها على نكَباتِ الدَّهرِ موتُ الفرزدقِ عشِيَّةَ راحُوا للفِراقِ بِنَعشِهِ إلى جَدَثٍ في هُوّةِ الأرضِ مُعمََقِ لَقد غَادرُوا في اللَّحدِ مَن كان ينتمي إلى كُلِّ نجمٍ في السّماءِ مُحَلِّقِ ثَوَى حَامِلُ الأثقال عن كُلِّ مُغرمٍ وَدامِغُ شَيطانِ الغَشومِ السًمَلّقِ عِمَادُ تَميمٍ كُلُّها و َلسانُها وَنَاطِقُها البَذّاخُ في كُلِّ مَنطِقِ فَمَنْ لذَوِي الأرْحَامِ بَعدَ ابنِ غالِبٍ لِجارٍ وَعَانٍ في السّلاسلِ مُوثَقِ رحمهما الله تعالى ..https://youtu.be/RLrwy-co4cU
لعلّهُ كما وصفتهُ أعرابية حين وصفت الحُب : " خفِيٌّ عن أن يُرى، وجَلّ على أن يخفى؛ فهو كامن كَكُمون النّار في الحجَر، إن قدَحتهُ أوْرى، وإن تركتهُ توارى؛ فهو إن لم يكُُن شُعبة من الجُنون، فهو عُصارة السِّحر " .
ما علمت عن الجذور إلا القباحة ..كيف وهي الإنعراجات المُمِلة المُوحَّدة الألوان، المُجعّدة كأُم شقيّة عقّت بها ورودها وأزهارها حين نسبت لنفسها كل الفضل .. واللوم كذلك على الناظِرين، لأن دأب قلوبنا تقييم الناتج وإهمال المسير، وتقديس الخواتيم والنهايات على حساب الإنطلاقات والبدايات .. ولكن كما قال نيتشه "لا يوجد سطح جميل، بدون عُمق فظيع" .. فالجمال وليد الشقاء، والجذور نكاية عن الآلام .. ولكنها الأصل، والأصل يغلب عليه القُبح .. فلن تجد مادِحاً لقواعد بنيان البيت، ولا حامل للحلوى أثناء زفرات المخاض، ولا مُهنئ في ليالي الإمتحانات ..
لسببين .. الأول هو المنطق والعقلانية، والعقل ما سُمي كها إلّا لأنه يعقل/يربط جماح الإنسان من التبعية العمياء والإنجراف نحو المجهول/الضرر .. والسبب الآخر هو عزة النفس والأنفة، التي تمنع من الخُضوع نظير لنظير مُماثل مُكافئ، والإنصياع له ولمآربه بالإكراه ..