مقام المعرفة يلزم زمن طويل من القُرب .. والقُرب يشترط الوصول .. والوصول يتعذَّر بدون سير .. والسير تيْه ما لم يكن نحو الوجهة الصحيحة .. ومعرفة الوجهة يتطلب توفيق ربّاني، وبوصلة سليمة، وزاد كافي، وهِمّة عالية .. وحتى لو تحقق ذلك، فلسنا بمنأى عن قاطع الطريق الذي توعَّد وِجهتنا قائلاً : "لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ"، وأضاف أنه سيفعل ما بوسعه لتحييدنا عن الوصول > "ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ" .. آملاً أن نتباطأ ونتوقف ونتملل في المسير أو نميل نحو المغريات على جانبيْ الطريق ..ولهذا فإني أرى هذه الأسئلة "كيف عرفت الله؟" "هل عرفت الله؟" أسئلة سابقة جداً لأوانها .. فنحن بالكاد نستقيم على الطريق دون تعثُّر فضلاً من أن نصل إلى الله ونتعرَّف عليه حق المعرفة .. ثم وأجزم بأنَّ السواد الأعظم ممن يقولون أنهم عرفوا ربَّهم بين كاذب مُدَّعي وجاهل مُتوهِّم ..
كل صفة شريرة تتتبّعها ستجدها قد تفرَّعت من الأنانية .. فالأنانية هي أُم السّوءات وأصل الشرور بعد الجهل، ولا مناص منها فهي تتعشّش في خلجاتنا .. والأنانية = حب الذات، ولهذا فلن يخمد نارها إلّا حُب آخر أكبر وأجل .. وذلكم هو حُب الله .. لأنَّ حُب الله متبوع بحُب الخير لكل الوجود والموجودات، وحُب شامل لكافة العباد والمخلوقات .. ثم عندها لا تجد تفسك حيلة إلّا أن تُهمَّش بعد أن تراكمت فوقها المراتب، وتتحدَّر ذاتك في سُلّم الأولويات، ولا زالت حتى لا تنال إلَّا البوائق ولا يصلها إلّا الفُتات ..
خطورة عدم الرضا بالمقسوم تكمن في أنه إتهام مُبطَّن لله وطعن في عدالته حاشاه .. ولهذا ففي عدة مواضع في القرآن جاء شكر الله نقيضاً للكفر والجحود .. وعدم الرضى هذا سببه ليس في كمية العطاء أو فترة الحرمان بقدر ما أنه في قصور فهمنا ونظرتنا نحن لطبيعة العلاقة بين الإنسان وربِّ .. إذ يجب أن ندرك أولاً تفاهة قدرنا ومدى فقرنا ونستحضر عدم استحقاقنا لعطائه أساساً ..